ما وراء الصمت الروسي الأمريكي السوري تجاه سيطرة الجيش التركي وحلفائه على عفرين..؟
يمنات
عبد الباري عطوان
سَيطرت القُوّات التركيّة وفَصائِل الجيش الحُر المُوالِية لها رسميًّا اليوم الأحد على مَدينة عِفرين في شمال سورية، بعد عَمليّةٍ عَسكريّةٍ استمرّت شَهرين أدّت إلى مَقتِل 1500 مُقاتِل من قُوّات حِماية الشَّعب الكُرديّة و400 عُنصر من الجيش الحُر، و46 جُنديًّا تركيًّا، وأكثر من 300 مَدني من بينهم 43 طِفلاً، حسب تقرير صادِر عن المَرصِد السوري لحُقوق الإنسان المُوالي للمُعارضة.
هُناك عِدّة أُمور لافِتة للنَّظر يُمكِن أن تُحدِّد ملامِح الخُطوة التالية لدُخول القُوّات التركيّة وحُلفائِها إلى المَدينة:
أوّلاً: رَفع العلم التركيّ على سارِية المَجلس البلدي في قَلب المدينة، وإعلان الرئيس رجب طيب أردوغان عن هذه الخُطوة أثناء خِطاب له ألقاه وَسط مُؤيّدي حِزبه، فهل هذا يَعني أنّها باتَت أرضًا تُركيّة؟ وجَرى نَزع الهَويّة السوريّة عَنها؟
ثانيًا: تسود حالة من الصَّمت تُجاه السيطرة على المَدينة سواء من قِبَل الدولة السوريّة أو حلفائِها الروس، فهل هُناك صفقة سهّلت دُخول القُوّات التركيّة، أي ساعدونا في السَّيطرة على الغُوطة الشرقيّة نَسكُت على اقتحامِكم مدينة عِفرين، ولو إلى حين؟
ثالثًا: الرئيس أردوغان أعلن أكثر من مَرّة أن السيطرة على عِفرين ستكون مُقدِّمة، أو نُقطة انطلاق للسَّيطرة على مدينة مِنبج المٌجاورة، فمَتى ستبدأ هذه الانطلاقة، وهل سيَحدُث صِدام بين القُوّات التركيّة والأُخرى الأمريكيّة المُرابِطة فيها، بعد أن رفضت الاستماع إلى مُطالبات الرئيس أردوغان لها بالانسحاب منها على غِرار ما فعلت القُوّات الروسيّة التي كانت مُرابِطة في مدينة عِفرين؟
رابعًا: تُشير تقارير إلى أن قوّات الحِماية الشعبيّة الكُرديّة انسحبت من عِفرين بعد أن انهارت مُقاومتها بسبب ضَخامة الحَشد التركي وقَصفِها من الجَو بِطائرات حربيّة للمَدينة المُحاصَرة لذا فإنّ السُّؤال الذي يَطرَح نفسه هو عن الخُطوة التالية لهذهِ القُوّات الكرديّة، هل تَستسلِم للهَزيمة، أم تَنخرِط في حربِ عصابات لزَعزهة السيطرة التركيّة؟
***
مُخطّط الرئيس أردوغان للسَّيطرة على عِفرين يقوم على ثلاثة أهداف أساسيّة، الأوّل: القَضاء على قُوّات الحِماية الشعبيّة التي يَرى أنّها امتداد لحِزب العُمّال الكُردستاني الانفصالي، الثاني: مَنع إقامة كَيان حُكم ذاتي كُردي فيها قُرب الحُدود التركيّة، والثالث: إعادة مِئات الآلاف من النَّازِحين من أبنائها الذين فَرّوا إلى تركيا، إلى جانب ملايين من السوريين اللاجئين، وإقامة مِنطقة آمنة بعُمق 30 إلى 50 كيلومتر.
الرئيس أردوغان نَفى في أكثر من مُناسبة أنّه يُريد ضَم عِفرين إلى الأراضي التركيّة أُسوةً بإقليم الإسكندرون، ولكن بعض المُشكِّكين بنواياه قد يَرون في رَفع العلم التركي في قَلب المدينة خُطوة أولى على طَريق “تتريكها” رغم أنّه جَرى رفع هذا العلم إلى جانِب رفع علم الجيش السوري الحر.
قُوّات سورية الديمقراطيّة شَنّت هُجومًا شَرِسًا على روسيا واتّهمتها بالتّواطؤ مع التدخُّل العَسكري التركي عندما سَحبت قُوّاتها، وفَتحت المجال الجوي أمام الطَّائِرات التركيّة لقَصف مَواقِع المُدافِعين عن عِفرين، ممّا يعني أن العلاقة بين الأكراد، أو مُعظمِهم، وبين الروس، وصلت إلى ما دون الصِّفر، أما الإدارة الذاتيّة لمدينة عِفرين فتوعّدت تركيا بالقِتال حتى استعادة كافّة المناطِق التي سيطرت عليها، وقال بيانٌ صادِرٌ عنها “إن حربنا ضِد الاحتلال التركي والقُوّة التكفيريّة المُسمّاة بالجيش الحر دَخلت مَرحلةً جديدة، وهو الانتقال من حرب المُواجهة المُباشِرة إلى تكتيك الكَر والفَر”، أي حَرب العِصابات التي يُجيدها الأكراد.
صمت السُّلطات الرسميّة السوريّة على هذا الاقتحام التركي لمدينة عِفرين، يُثير العَديد من علامات الاستفهام، ولا نَستبعد أن يكون قد جاء نتيجة تنسيق مع حُلفائها الروس، فالقِيادة السوريّة اعتبرت دائِمًا أي تدخُّل تركي في عِفرين يُشكِّل انتهاكًا للسِّيادة السوريّة، وأرسلت وحدات من “القُوّات الشعبيّة” المُوالِية لها للقِتال إلى جانِب الأكراد في مُواجهة الحُشود التركيّة.
هُناك عِدّة تفسيرات لهذا الصَّمت الرَّسمي السوري، الأوّل: أن تكون القِيادة في دِمشق تلقّت تأكيدات روسيّة بأنّ الوجود التركي في عِفرين مُؤقّت، وسيَنتهي بعد القضاء على المُسلّحين الأكراد وهذا أمر لا تُعارِضه القِيادة السوريّة، والثاني: وجود مُخطّط أو تمنيّات لدى هذه القِيادة لتَحويل عِفرين إلى مِصيدة قاتِلة للقُوّات التركيّة وحُلفائِها، وإغراقها في حربِ استنزافٍ دَمويّة، وتَقديمِها الدَّعم العَسكري لقُوّات الحِماية الشعبيّة، والثالث: أن تَكون هذهِ القِيادة تُراهِن على حُدوث صِدام عَسكري تُركي أمريكي في مِنطقة منبج، وعلى أُسس نظريّة “فخّار يِكسِّر بعضه”، والرابع أن تَغُض النَّظر عمّا يَجري في عِفرين ريثما تستعيد الغُوطة الشرقيّة بالكامِل، وبعدها لكُل حادِث حديث فالمَسألة مسألة أولويّات بالنِّسبةِ للقِيادةِ السوريّة.
***
لا نَستطيع أن نُرجِّح تَفسيرًا على آخر، فالمَوقِف الحالي والمُستقبَلي لمَدينة عِفرين ما زال يتّسِم بالغُموض، ومن الحِكمة الانتظار حتى يَهدأ الغُبار، وتتضِّح المَواقِف على الأرض، ونَطَّلِع على رُدود فِعل الأطراف الرئيسيّة في الصِّراع، ولكن الأمر المُؤكَّد أن دُخول القُوّات التركيّة إلى المَدينة، ورَفع العَلم التركي فوق مَبانيها الرسميّة، يُوحِي بأنّ فَصلاً جديدًا، وعلى دَرجةٍ كبيرةٍ من الخُطورة بَدأ في الحَرب على سورية.
هل يَصِح القَول أن مِصيدة عِفرين لتُركيا هي تِكرار بِطريقةٍ أو بأُخرى، لمِصيدة الكويت بالنِّسبة إلى العِراق ورئيسه صدام حسين التي نُصِبَت له قبل 28 عامًا بِتواطُؤ أمريكي عربي؟
نَترُك الإجابة لتَطوّرات الأسابيع والأشهر المُقبِلة.
المصدر: رأي اليوم